مركز أسنان الدولي
https://www.assnan.com
<TABLE dir=rtl cellSpacing=0 cellPadding=0 width=644 border=0><TBODY><TR><TD class=darkBrownText>
الطب الوقائي في الإسلام
</TD><TD class=add_date style="PADDING-LEFT: 3px" align=left></TD></TR><TR><TD class=arabicTransparent dir=rtl colSpan=2> اهتم المنهج الإسلامي منذ بداية نزوله بتوعية المسلمين لكل ما فيه الخير لدينهم ودنياهم؛ فأمرهم بالعلم وحض عليه، ورغبهم في استخدام هذا العلم في إصلاح كل جوانب الحياة..
ومن أهم هذه المجالات التي أبدع فيها المنهج الإسلامي مجال الوقاية من الأمراض؛ فقد ظهر فيه بجلاء حرص الإسلام ـ ليس فقط على الأمة الإسلامية ـ ولكن على عموم الإنسانية.. فإن الأمراض إذا انتشرت في مجتمع فإنها لا تخصُّ دينًا دون دين, ولا تختار عنصرًا دون عنصر، ولكنها تؤثر سلبًا على حياة العموم من الناس..
كيف أخذ الإسلام التدابير اللازمة، والإجراءات الدقيقة لمنع حدوث الأمراض أصلاً؟ وإن حدثت فكيف يمكن أن تُمنع من الانتشار؟!
لقد جاء الإسلام بمنهج معجز فيه سلامة الجسد والنفس والمجتمع.. وكيف لا يكون معجزًا وقد جاء من عند رب العالمين ؟!
ففي الوقت الذي كانت القذارة في كل شيء سمة مميزة لحياة الأوربيين، حتى وصل الأمر إلى اعتبار أن الأوساخ التي تعلق بالجسم والملبس هي من البركة، ومن الأشياء التي تعطي القوة للأبدان!! حتى وصل الأمر إلى أن الإنسان كان لا يغتسل في العام كله إلا مرة أو مرتين!!.. في هذا الوقت نزل المنهج الإسلامي في عمق الصحراء, وبعيدًا عن حياة المدن والحضارات العملاقة.. يُرشد الناس إلى وجوب الغسل وإلى استحبابه.. فالغسل واجب عند الجنابة وعند لحيض وفي الحج وغير ذلك.. ومستحب في العيدين والإحرام وغيرهما، واختلف العلماء في وجوبه أو استحبابه يوم الجمعة، والغالب أنه مستحب..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
"غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه"..
بل إنه حدد للمسلم فترة زمنية قصوى للفارق بين الغسلين، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
"حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام.. يغسل رأسه وجسده"..
ووصل بعض الفقهاء بأنواع الغسل المختلفة إلى سبعة عشر نوعًا من الغسل للدلالة على أهميته.. ودعا الإسلام إلى طهارة الأعضاء المختلفة من الجسم، واهتم بالأعضاء التي تكثر فيها الأمراض أو يحتمل فيها حدوث الوسخ..
ففي طهارة الفم قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لقد كنا نؤمر بالسواك، حتى ظننا أن سينزل به قرآن"..
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طهارة ونظافة الأماكن التي يتوقع فيها العرق ولأوساخ والميكروبات، بل جعل ذلك من سنن الفطرة.. فقد روى الجماعة وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للترمذي.. قال صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر"... وتخيل مدى رقي هذا الدين الذي يأمر بهذه الآداب في هذا العمق من التاريخ، وفي هذا المكان في الصحراء، وفي هذه الظروف الصعبة التي نشأ فيها الإسلام..
وقد أمر صلى الله عليه وسلم أيضًا بالتنزه من قذارة البول والغائط، وشدد في ذلك حتى إنه مر على قبرين, فقال لأصحابه يحدثهم عن صاحبي هذين القبرين وذلك كما روى البخاري ومسلم والنسائي وأحمد وبن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما:
"إنهما ليعذبان، وما يُعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة"..
وحض الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم المسلمين على حماية أنفسهم من آثار الطعام الزائد عن الحاجة، وحذرهم من آثار التخمة.. روى الترمذي وابن ماجة عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه"..
كما أمرهم بالحفاظ على نظافة الأطعمة والأشربة فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنهما: "غطوا الإناء، وأوكوا السقاء".. وأوكوا بمعنى: سدُّوا فتحة الوعاء الذي به الشراب.
ومنع الإسلام أتباعه من كل خبيث يؤدي إلى ضرر بالصحة الجسدية والنفسية ويضر كذلك بالمجتمع.. فحرم الإسلام الخمر وما يندرج في حكمها كالمخدرات.. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"... وبذلك حمى المسلمين من الأضرار الصحية الخطيرة للخمور والمخدرات، كما حمى البشرية جميعًا من الآثار الضارة للمخمورين سوء نتيجة للحوادث أو للجريمة أو لغير ذلك من الآثار السيئة لغياب العقل..
والذي ذكرناه في الخمر ينطبق كذلك على تحريم الفواحش؛ فالإٍسلام حرم الزنا وكل العلاقات غير المشروعة.. وبذلك لم يحفظ فقط صحة المسلمين ونسلهم وأخلاقهم، ولكن كان لذلك مردود على المجتمع بكامله مسلمين وغير مسلمين، ولا يخفى على أحد أن انتشار الأمراض الجنسية في البلاد غير الإسلامية أعلى بكثير منه في البلاد الإسلامية، وما ذلك إلا لكون الإسلام يمنع هذه الموبقات.. وما أروع ما قاله صلى الله عليه وسلم في رواية أحمد وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما حين قال: "ما ظهرت الفاحشة في قوم قط، يُعمل بها فيهم علانية، إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم".. ولا يخفي على أحد أن أمراض الإيدز والإيبولا وغيرها من الأمراض الجنسية القاتلة لم تكن معروفة قبل ذلك، ولم تظهر إلا بظهور الفاحشة في المجتمعات..
وحرم الإسلام أكل الميتة؛ لما في ذلك من أضرار جسيمة بالصحة أثبتها الآن الطب الحديث، ومما جعلني أشعر بالفخر الشديد وأنا في زيارة لأمريكا أن وجدتهم يفتخرون بأنه إذا مات لهم طائر أو حيوان قبل الذبح فإنهم لا يأكلونه؛ لأنه يكون ضارًا بالصحة، وهذا لم يكتشفوه إلا منذ أعوام قليلة، بينما أوروبا إلى الآن تأكل الميتة!! وهذا يجعل الأمريكان يفتخرون بمنهجهم الصحي على الأوروبيين، فقلت في نفسي وأمام الأمريكان وغيرهم.. ما أروع ديننا.. الذي حرم علينا هذا الذي اكتشفتموه حديثًا، ولكنه حرم ذلك علينا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.. فسبحان الذي يعلم السر وأخفى..
ولا أشك ـ من هذا المنطلق ـ في أن السجائر حرام، وأن الذي يتناولها آثم، فالدين الذي حرم على أتباعه الخبائث لا يمكن أن يجل لهم شرب السجائر بكل ما فيها من خبث وضرر، فإنها لم تترك عضوًا من أعضاء الجسم إلا وألحقت به ضررًا خطيرًا..
فعودة إلى الإسلام أيها المسلمون!!
والإسلام لم يهتم فقط بصحة الجسد بل اهتم كذلك بصحة النفس.. فأمر بذكر الله عز وجل, وجعل ذلك اطمئنانًا للقلب؛ فقال سبحانه وتعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وحض المسلمين على الرفق والرحمة وحسن الخُلق ولين الجانب وطيب الكلام, وجعل في التبسم صدقة، وجعل في أدب المعاملات أجرًا، وشجع المسلمين على نسيان أخطاء الغير وعلى العفو والمغفرة، وعظم لهم قيمة الرضا بما قسم الله عز وجل، وجعل لهم الجنة عوضًا عما أصابهم من مصائب إذا صبروا عليها..
ولا شك أن كل هذا يصب في صحة نفسية جيدة، ويسمو بالروح ويطمْئِن القلب، ويرتفع بأخلاق المسلم وقيمه وأهدافه إلى درجات راقية لا يتخيلها غير المسلم، ولا شك أن معدل الأمراض النفسية من قلق واضطراب واكتئاب أعلى بكثير في بلاد الغرب منها في بلاد المسلمين، وليس أدل على ذلك من مراجعة نسب الانتحار هنا وهناك لتعلم قيمة الإسلام..
وانطلاقًا من حفاظ الإسلام على صحة الفرد والمجتمع، فإن الإسلام لم يحض فقط على الاهتمام بالجسد والنفس بل اهتم كذلك بما يُلبس من ثياب.. فالثياب النظيفة الجميلة تعود بالفائدة على صاحبها وعلى من يعيشون إلى جواره.. بل على من يراه وإن كان لا يعرفه..
ففي أول ما نزل من القرآن نجد قول الله عز وجل: "وثيابك فطهر"، وما أروع أن يكون اهتمام الإسلام من أول يوم نزل فيه للبشر بظاهرهم كما يهتم بباطنهم، فهو يقرن التوحيد بنظافة الإنسان فيقول: "وربك فكبر، وثيابك فطهر"، واللفظ يحتمل ظاهر المعنى، وإن كانت له تأويلات أخرى..
كما أن التشريع الإسلامي عد الثوب نجسًا بمجرد وصول شيء من النجاسة إليه كالبول والغائط والدم، ولا تصح الصلاة فيه إلا أن تزول النجاسة، حتى لو كانت النجاسة قليلة، قال أحمد بن حنبل رحمه الله عن الثوب الذي أصابه بول أو غائط: "يعيد الصلاة من قليله وكثيره"، أي من قليل النجاسة أو كثيرها.. كذلك ينجس الماء إذا وقع فيه من النجاسة ما يغير لونه أو طعمه أو رائحته.. وكل ذلك يهدف إلى عدم استعمال شيء وصل إليه قذر أو وسخ..
ولا يهتم المسلم فقط بنظافة نفسه وثيابه، بل يجب أن يهتم بنظافة البيئة التي حوله.. وهذا موضوع كبير ويحتاج إلى تفصيل، وسنفرد له إن شاء الله مقالاً خاصًا..
وإذا كان عطاء الإسلام فيما يخص الوقاية من الأمراض على هذا النحو من الرقي فإنه لا يقف عاجزًا أمام الأمراض إذا حدثت.. فلا يكتفي فقط بالأمر بالتداوي، ولكن يحض ـ وبشدة ـ على منع انتشار الأمراض في المجتمع، وإن المرء ليقف مبهورًا أمام عظمة التوجيه النبوي الذي يحدُّ من انتشار الأمراض في المجتمع حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "لا يوردن ممرِضٌ على مُصِحٍّ"، فهو بذلك يوضح لك أبسط وسائل الوقاية من الأمراض - وأنجحها في ذات الوقت -، وهذا كله منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام!!
ثم هو يختار أمراضًا خطيرة بعينها ـ علم الآن على وجه اليقين أنها تنتقل بالعدوى ـ ويحذر منها تحذيرًا بيّنًا ظاهرًا لا يحتمل التأويل؛ فيقول مثلاً في أمر مرض الجذام الخطير، كما جاء في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "فرمن المجذوم فرارك من الأسد"..
ثم هو يضع أعظم قواعد الحجر الصحي بالنسبة للأوبئة الخطيرة كالطاعون.. وذلك كما روى مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن الطاعون فقال: "إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها"..
وهذا هو قمة ما وصل إليه الطب الحديث في محاولة الحد من انتشار الأوبئة الخطيرة كالطاعون..
وأخيرًا.. فإن المنهج الإسلامي في الوقاية من الأمراض لكي يضمن الدقة في التطبيق، والحرص في أداء القواعد الصحية، فإنه يربط كل هذه القواعد برضا الله عز وجل، وبالزجر والمثوبة, والجنة والنار؛ فليس الغرض فقط هو الحياة الدنيوية السعيدة ـ وإن كان هذا متحققًا إن شاء الله ـ ولكن الهدف أسمى من ذلك وأجل وهو سعادة الآخرة؛ فنجد مثلاً في تعظيم أمر السواك وطهارة الفم ونظافته أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب".. فهو لا يحقق نظافة وصحة فقط, بل يحقق أجرًا ومثوبة..
ونجده صلى الله عليه وسلم يقول في أمر الوضوء والغسل.. وذلك كما روى البخاري ومسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: "الطهور شطر الإيمان"، فجعل هذا الطهور وهذه النظافة نصف الإيمان، ونجده يعطي أجرًا عظيمًا لمن ساهم في منع انتشار الطاعون، حتى يصل هذا الأجر إلى الشهادة في سبيل الله، فيقول فيما رواه البخاري وأبو داود عن السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سألته عن الطاعون: "إنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين.. فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله إلا كان له مثل أجر الشهيد"..
وهكذا.. فإن المنهج الإسلامي يجمع - بدقة عجيبة - بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، ويجمع كذلك بين رضا العبد عن حياته وصحته ونظافته وأمنه، ورضا الله عز وجل عن العبد في الدنيا والآخرة، وليس ذلك الجمع إلا في الإسلام، فما أروعه من دين، وما اجله من دستور..
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى..
</TD></TR></TBODY></TABLE>